فصل: مسألة المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار:

قيل له: فإن المشتري حجمه أو حلقه في أيام الخيار، قال: ما أرى فعله ذلك إلا رضي منه به، وأراه ضامنا للجناية.
قال محمد بن رشد: قال ابن حبيب في الواضحة: وكذلك إن حلقه على المشط، وإن خضب يدي الأمة بالحك أو ضفر رأسها بالعسل فذلك رضي، إلا أن تفعل الجارية ذلك بغير أمره فلا يكون ذلك رضي، وهذا كله صحيح، على مذهب ابن القاسم في المدونة، فقد قال فيها: إنه إن أتى بالدابة إلى البيطار فهلها أو عزبها أو ودجها فذلك منه اختيار لها خلاف قول غيره فيها من أن السوم بها والرهن والتزويج وإسلامه إلى الصناعات ليس رضى، بعد يمينه أنه لم يفعل ذلك وهو مختار له، وبالله التوفيق.

.مسألة يقدم بالسلع فيبيعها ويشترط العهدة فيها على رجل يسميه:

ومن كتاب سلف دينارا في ثوب إلى أجل:
وعن الرجل يقدم بالسلع من الحيوان والعروض فيبيعها ويشترط العهدة فيها على رجل يسميه، كان الرجل الذي سمي معروفا مقرا بالشرط أي غير ذلك أو منكرا فلا خير في هذا كله إلا أن يكون رجلا اشترى سلعة فولاها أو باعها عند مواجبة البيع فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: قوله في هذه الرواية: فولاها أو باعها يدل على أن هذه العهدة تكون عليه في التولية والبيع إلا أن يشترطها على الأول، مثل قول مالك في الموطأ وقول أصبغ في نوازله من كتاب جامع البيوع، خلاف قوله في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب السلم والآجال، وقد مضى القول هناك على هذه المسألة مستوفى لمن أحب الوقوف عليه. وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك إلا للخدمة:

وقال ابن القاسم في الذي يشتري المغنية ولا يريدها لعملها ذلك إلا للخدمة وما أشبه ذلك إذا كان لم يزده في ثمنها لموضع غنائها فلا بأس به.
قيل لسحنون: فكيف يجوز بيع المغنية عندك وهو إن باع فبين لعل ذلك يوافق المشتري ويرغب فيه، وإن أمسك عن إعلامه كان مدلسا وكان عيبا؟ فأطرق فيها طويلا قال: كذلك يدخله، فأفضل ذلك أن يعلمه بعد البيع ووجوب الصفقة.
قال محمد بن أحمد: قوله في الذي يشتري المغنية ولا يريدها لعملها إلا لحاجته إليها للخدمة: إنه لا بأس بذلك إن لم يزده في ثمنها لموضع غنائها، يريد إذا لم يزده في ثمنها لرغبة في غنائها، وأما إن زاده في ثمنها لحاجته إليها ورغبته فيها لغير غنائها إذا لم يبع منه إلا بزيادة على ثمنها من أجل غنائها فذلك مكروه له من أجل أنه أضاع ماله وأعطاه لمن لا يحل له أخذه فصار بذلك معينا له على الإثم، وقد قال عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقول سحنون في صفة بيع الجارية المغنية حسن صحيح، وإن كانت ممن عرفت بالغناء في ذلك البلد فلا يجوز له أن يبيعها فيه، وليخرجها منه إلى حيث لا تعرف فيه فيبيعها ثم يبين بعيب غنائها بعد البيع، وقد قيل: إن غناءها إذا كان يزيد في قيمتها فليس للمشتري ردها به، وقيل له: ردها إلا أن تكون دنية للخدمة، روى ذلك زياد عن مالك، والصحيح أن له أن يردها بعيب غنائها رفيعة كانت أو وضيعة؛ لأن ذلك عيب فيها ما دامت مقيمة عليه، إلا أن تكون قد تابت عنه فلا يكون له أن يرد بذلك إلا الرفيعة لما يخاف من أن يلحق ولده منها عار ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري أمة على أنها بكر فيزعم أنه لم يجدها بكرا:

ومن كتاب أوله يدير ماله:
وسألته عن الرجل يشتري أمة على أنها بكر فيزعم أنه لم يجدها بكرا، قال: ينظر إليها النساء، فإن كان افتضاضها حادثا بالأيام اليسيرة أو قديما فهن يعرفنه وليس يخفى وإنما هي قرحة نكيت فليس يخفى أثرها وهو معروف، فإن زعمن أن ذهاب عذرتها وافتضاضها يعرف أنه لمثل ما قبضها المشتري فهي منه، وإن كان يرى أنه قد كان قبل ذلك عند البائع ردها المشتري، قال: وليس في ذلك يمين على واحد منهما لزم البائع القضاء على ما وصفت لك أو لزم صاحبه، وإنما يقطع في هذا النساء.
قال محمد بن رشد: إنما لم يوجب اليمين في ذلك على واحد منهما إذا قطع النساء في شهادتهن، وذلك بين من قوله: وإنما يقطع في هذا النساء، وقد مضى القول على هذا المعنى في رسم الأقضية الثالث من سماع أشهب مستوفى لمن أحب الوقوف عليه، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

.مسألة باع عبدا فباعه مبتاعه من غيره فوجد به المشتري عيبا كان عند بائعه الأول:

ومن كتاب البراءة:
قال ابن القاسم: ولو أن رجلا باع عبدا فباعه مبتاعه من غيره فوجد به المشتري عيبا كان عند بائعه الأول، وقد فلس بائعه الثاني، فأراد المبتاع أن يرده على بائعه الأول أو يرجع عليه بقيمة العيب إن كان قد فات العبد في يديه بعتق، فزعم البائع المفلس أنه ابتاعه بذلك العيب، وادعى البائع الأول أنه باعه به ولا بينة على ذلك، لم يقبل قوله إلا أن يكون له بينة على ما زعم أنه ابتاعه بذلك العيب أو على إقرار منه بذلك قبل التفليس، وأما بعد التفليس فلا يقبل قوله إلا ببينة، وهو يرجع على البائع الأول بقيمة العيب إن كان قد فات أو يرده إن كان لم يفت.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن للمبتاع الثاني أن يرجع على بائع بائعه إذا كان بائعه مفلسا؛ لأن غريم غريمه لو لم يكن مفلسا فرجع عليه لكان له هو أن يرجع عليه، ولا اختلاف في هذا، ونحوه في رسم الصبرة من سماع يحيى وفي رسم البيوع من سماع أصبغ، وقوله: إنه لا يقبل قول البائع الثاني بعد التفليس إن البائع الأول تبرأ إليه من العيب أو إنه باعه بيع براءة صحيح أيضا على أصولهم لا اختلاف فيه، إلا أنه إذا رده على الأول لا يأخذ منه إلا أقل الثمنين، فإن كان الأول باعه من المفلس بعشرة وباعه المفلس بخمسة عشر رجع على الأول بعشرة واتبع المفلس بالخمسة الباقية، وإن كان الأول باعه بخمسة عشر من المفلس وباعه المفلس من هذا الثاني بعشرة رجع على الأول بالعشرة التي كان له أن يرجع بها على المفلس، وكانت الخمسة للمفلس قبل الأول يأخذها منه غرماؤه من حقوقهم، وكذلك إن كان العبد قد فات لا يرجع على الأول إلا بالأقل من قيمة العيب من ثمنه الذي اشتراه به من المفلس يوم اشتراه منه أو الأقل من قيمة العيب من الثمن الذي باعه به من المفلس يوم باعه منه. هذا معنى قوله: وإرادته، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة العيوب التي يرد بها العبد:

ومن كتاب أوله شهد على شهادة ميت:
قال ابن القاسم: قال مالك: العبد يرد من ثلاثة أشياء: الولد والزوجة والدين.
قال محمد بن رشد: العيوب التي يرد بها العبد أكثر من أن تحصى بعدد، فيحتمل أن قول مالك هذا يكون خرج على سؤال سائل سأل مالكا هل يرد العبد من الولد والزوجة والدين؟ فقال له: نعم يرد من الثلاثة الأوجه: الولد والزوجة والدين فحكى عنه ابن القاسم ما سمع من قوله للسائل الذي سأله عن العيوب الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد به أنه يرد من ثلاثة أوجه يختص به من سبب غيره، وهم الولد والزوجة والدين، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة يشتري العبد فيجده أغلف هل يرده بذلك:

ومن كتاب الجواب:
قال: وسألته عن الذي يشتري العبد فيجده أغلف هل يرده بذلك؟ قال ابن القاسم: العبد في ذلك بمنزلة الإماء إن ما كان من رقيق العجم الذين لا يختنون لم يرد، كان من علية الرقيق أو من وخثها، وإن كان من رقيق العرب رد إذا كان من علية الرقيق، قلت له: وأيهم رقيق العرب وما تفسيره عندك وما معناه؟ أهو على تلادهم وما طال مكثه عندهم وفي يديهم؟ قال: نعم تلادهم وما طال مكثه في أيديهم وحتى يستحق وما أشبه ذلك.
وأما المجلوب فليس كذلك وإن كان قد ملكته العرب إذا كان بحدثان ذلك ولم تطل إقامته عندهم.
قال محمد بن رشد: قد مضى تحصيل القول في هذه المسألة في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد النصراني فيجده مختونا هل هو عيب يرد به:

وسألته: عن الذي يشتري العبد النصراني فيجده مختونا هل هو عيب يرد به؟ قال ابن القاسم: لا يرد به وليس ذلك عيبا فيه.
قال محمد بن رشد: في رسم الكبش من سماع يحيى أن ذلك عيب يرد به إذا كان الناس في المجلوب الأغلف أرغب وثمنه أكثر لما يرتجى من تأديبه واستقامته ويخاف من غائلة المختون بأن يكون قد كان ببلد الإسلام ففر منه إلى أرض الحرب، وهو أصح في المعنى وأشبه في النظر.

.مسألة يشتري الأمة على أنها نصرانية فيجدها مسلمة:

وعن الرجل يشتري الأمة على أنها نصرانية فيجدها مسلمة غره بها، هل يردها بذلك وهو يقول: أردت تزويجها غلاما لي نصرانيا أو غير ذلك؟ قال ابن القاسم: إن عرف ما قال وعرف لذلك وجه من حاجته إلى النصرانية ليزوجها عبده وما أشبه ذلك رأيته عيبا لردها به إن شاء؛ لأن ذلك يضطره إلى شراء غيرها لما لابد له منها للحاجة إليها، وإنما اشتراها على ذلك ليكف عنه شراء غيرها، فأراه عيبا يرد به إن شاء، وإن لم يعرف تصديق ما قال، ولم يكن لذلك وجه لم أر أن يردها ولم أره عيبا.
قال أصبغ بن الفرج: أو ليمين عليه ألا يملك مسلمة وما أشبه ذلك واشترطه له فله شرطه، وهو عيب عند ذلك.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح على ما قال في رسم الرهون من سماع عيسى من كتاب النكاح في المسلم يغر النصرانية فينكحها ويقول لها: أنا على دينك فتطلع بعد أن دينه غير ذلك أن فراقه بيدها.
وقد روى ابن نافع عن مالك: أن النكاح ثابت ولا خيار لها، وهو قول ربيعة إن الإسلام ليس بعيب، فعلى هذا لا يكون للرجل أن يرد الأمة إذا وجدها مسلمة وقد اشتراها على أنها نصرانية؛ لأنه إذا لم ير للنصرانية أن ترد الزوج إذا وجدته مسلما وقد كانت تزوجته على أنه نصراني فأحرى بألا يكون للمسلم أن يرد العبد إذا وجده مسلما وقد كان اشتراه على أنه نصراني، والصحيح أن له أن يرده بالشرط الذي شرط لغرضه الذي قصد، وإن كان أدنى عن الذي وجد، وكذلك من اشترى أمة على أنها من جنس فوجدها من جنس آخر أرفع منه كان له أن يردها إذا كان لاشتراطه وجه، وقيل: ليس له أن يردها، وإن كان لاشتراطه وجه، وهو الذي يأتي على رواية ابن نافع المذكورة قبل، وقيل له أن يرد بالشرط، وإن لم يكن لاشتراطه وجه، روى ذلك جبلة عن سحنون، فهي ثلاثة أقوال.

.مسألة يشتري العبد وهو آبق فيقول له البائع إن أبق عندك فأنا له ضامن:

وسألته: عن الرجل يشتري العبد وهو آبق معلوم فيقول له البائع: إن أبق عندك فأنا له ضامن، أو لعله لا يكون عرف بإباق فجعل له هذا الشرط أن ما حدث من إباق فهو ضامن له، أو يبيعه وهو مريض فيجعل له مثل هذا إن مات من ذلك المرض فهو له ضامن، أو بعينه ضرر فيزعم أنه من رمد فيجعل له هذا الشرط أن ما جر إليه ذلك من بياض أو غير ذلك فهو له ضامن، قال ابن القاسم: لا يحل هذا كله، وهذا كله بيع فاسد؛ لأن البائع لا يدري ما باع ولا المشتري ما اشترى، وهو الخطار أيضا بعينه والغرر، ويدخله البيع والسلف أيضا إذا كان ينقد بمنزلة الذي يبيع السلعة الغائبة ويشترط النقد، فإن سلمت السلعة أخذها، وإلا رد عليه الثمن فهو من السلف الذي يجر المنافع، لأنه إن سلمت السلعة أخذها وإن لم تسلم ردها فكان سلفا جر منفعة، ومسألتك على كل حال فاسدة؛ لأنها من بيع الخطار والغرر؛ لأنه يزيده في الثمن لمكان الضمان الذي شرطه عليه وضمنه له.
وقال أصبغ بن الفرج مثله، وقال: لا خير فيه انتقد أو لم ينتقد، ولا يحل على حال، ولا يترك إن نزل، ويفسخ متى ما علم به، سلم مما شرط له أو فعله، كان أو لم يكن، فإن أبق عند المشتري أو مات فالضمان منه؛ لأنه قد قبضه والبيع بينهما مردود، والقيمة على حالته يوم تبايعا آبقا كان أو مريضا أو غير ذلك.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة في المعنى لا وجه للقول فيها، غير أن قوله فيها والقيمة على حالته يوم تبايعا آبقا كان أو مريضا، معناه إذا كان القبض والبيع في يوم واحد، ولو تأخر القبض عن العقد لكانت القيمة يوم القبض؛ لأنه بيع فاسد، فالقيمة فيه يوم القبض، بخلاف البيع الصحيح، وقد مضت هذه المسألة مختصرة في أول رسم استأذن، وفي قوله: أو يبيعه وهو مريض دليل على جواز بيع المريض، ومثله في سماع سحنون بعد هذا، وقد مضى ذكر الاختلاف في ذلك في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم.

.مسألة الفرائين يعملون الفرى فإذا فرغوا منها تربوا وجوهها بالتراب:

وسألته: عن الفرائين يعملون الفرى فإذا فرغوا منها تربوا وجوهها بالتراب لتحسن وتزيد في أثمانها، وربما غيب ذلك بعض ما فيها من العيوب، والمشتري يعلم أو لا يعلم، هل ترى بذلك بأسا؟ قال ابن القاسم: لا يعجبني أن تترب وجوهها ولا أراه يحل ولا يصلح وأراه غشا إذا كان على ما وصفت لي، وأرى أن يزجروا على ذلك، وإن اشترى أحد منها على ما وصفت فإن كان ممن يعلم ذلك كما ذكرت أنها تترب وأن ذلك ربما غيب بعض ما فيها من العيوب فليس له أن يرد، وإن اشترى منها من لا يعلم ذلك ولا يعرفه رأيت له أن يرد إن شاء وجد عيبا أو لم يجد، علم أنه كان فيها قبل التتريب عيبا أو لم يعلم إذا كان التتريب يغيب بعض عيوبها كما ذكرت.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك من الغش الذي لا يحل ولا يجوز، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من غشنا فليس منا»، فإن لم يعلم المشتري بذلك كان بالخيار بين أن يمسك أو يرد، فإن فاتت قبل أن يعلم كان عليه فيها الأقل من القيمة أو الثمن على حكم الغش في البيوع، وإن علم المشتري بذلك ودخل عليه لم يكن له أن يرد كما قال: معناه بحكم الغش إذ قد علمه ودخل عليه، فإن وجد عيبا كان له الرد، وكذلك قال ابن القاسم في الواضحة، وذلك بين لا إشكال فيه والحمد لله.

.مسألة باع الرجل عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فوجد المشتري عيبا:

ومن كتاب الفصاحة:
قال عيسى بن دينار: قال ابن القاسم: إذا باع الرجل عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة فوجد المشتري عيبا لا يحدث في مثل ما كان فيه عند المشتري بمعرفة أهل البصر لقرب ذلك أو بينة قامت أنه كان به قديما عند بائعه أو اعتراف فإنه يرده، إلا أن يكون حدث به عند مشتريه عيب آخر مفسد فيخير، وإن وجد به المشتري عيبا مثله يحدث بطول ما كان في يد المشتري ولا يقدم مثله، فإنه لازم للمبتاع ولا يمين على البائع، وإن وجد به المشتري عيبا مثله يحدث ويقدم في مثل ما كان عند المشتري نظر، إن كان عيبا مثله يخفى حلف البائع بالله لباعه، وما يعلم به هذا العيب ثم لا شيء عليه، وإن كان عيبا يرى أن مثله لا يخفى على البائع حلف بالله الذي لا إله إلا هو على البتات لباعه وما به هذا العيب، فإن نكل عن اليمين في الوجهين جميعا ردت اليمين على المشتري فحلف بالله ما يعلمه حدث عنده، ثم يكون مخيرا بين أن يرده ولا شيء عليه أو يمسكه ولا شيء له، وإن نكل المشتري عن اليمين بعد نكول البائع لزم المشتري أخذه.
قال ابن القاسم: وإن حدث به عند المشتري عيب مفسد ووجد به عيبا مثله يكون قديما ومثله يحدث في مثل ما كان فيه عند المبتاع فإنه يقول للبائع: احلف أنك ما بعت وأنت تعلم هذا العيب، فإن حلف لزم المشتري، وإن نكل قيل للمبتاع: احلف أنك لا تعلم هذا العيب حدث عندك، فإن حلف كان مخيرا بين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، وبين أن يرد ويرد قيمة العيب المفسد الذي حدث عنده، فإن نكل لزمه العيب. قال ابن القاسم: قال مالك: إن وجد المشتري به عيبا قديما لا يحدث في مثل ما كان عنده أو مثله يحدث إلا أن البينة تشهد أنه كان به عند البائع، وحدث به عند المبتاع عيب آخر مثله يحدث ويقدم قيل للمبتاع: احلف فإن حلف رده، ولا شيء عليه، وإن نكل عن اليمين قيل للبائع: احلف أنك لا تعلم هذا العيب كان عندك فإن حلف لزم المبتاع ذلك العيب الذي نكل عنه المشتري أولا، وكان المشتري مخيرا بين أن يرده بالعيب ويرد قيمة العيب وبين أن يمسكه ويأخذ قيمة العيب القديم، وإن نكل البائع أيضا لزمه العيبان جميعا وكان المبتاع مخيرا بين أن يمسكه ولا شيء له وبين أن يرده ولا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة حسنة في المعنى، ولا اختلاف في شيء منها إلا في صفة اليمين في العيب الذي يحدث ويقدم هل يكون فيها على البت أو على العلم، وكيف ترجع على المبتاع إذا وجبت على البائع فنكل عنها حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم؛ لأن العيب القديم يجب الرد به، والحادث يلزم المشتري ولا كلام له فيه، والعيبان أحدهما قديم والآخر حديث يكون المشتري مخيرا بين أن يرد ويرد ما نقصه العيب الحادث عنده، وبين أن يمسك ويرجع بقيمة العيب، والعيب الذي يحدث ويقدم القول فيه قول البائع إلا أن يكون فيه عيب آخر قديم فيكون القول في الذي يحدث ويقدم قول المبتاع لوجوب الرد له بالعيب القديم، هذا قوله في هذا الرسم، وقد مضى مثله في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة، ولا اختلاف في شيء من هذا كله وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع الجارية بلا ولد فتلد عند المبتاع أولادا فيبيع أولادها:

ومن كتاب أوله باع شاة واستثنى جلدها:
وسألته: عن الذي يبيع الجارية بلا ولد فتلد عند المبتاع أولادا فيبيع أولادها، ثم يجد بها عيبا فيريد ردها وثمن هل يردها ولدها أو لا يردها إلا وحدها؟ قال: يردها وثمن الولد؛ لأن مالكا قال لي: يردها وولدها ولم يره فوتا ووافقته عليه، فقلت له: أتراه فوتا؟ قال: لا، وقال: يردها وولدها إن أحب أو يمسكها ولا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: قوله في آخر المسألة: أو يمسكها ولا شيء عليه، يريد ولا شيء على البائع، وقد مضى القول على هذه المسألة مستوفى في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم لمن أحب الوقوف منها على الشفاء، وستأتي أيضا في سماع موسى بن معاوية، والله تعالى الموفق.

.مسألة باع عبدا فهو في وقف الثلاث إذا أصاب ربحا في صفقة أصابها:

ومن كتاب العتق:
قال عيسى: سئل ابن القاسم عن رجل باع عبدا فهو في وقف الثلاث إذا أصاب ربحا في صفقة أصابها، لمن يكون ذلك المال؟ أو أوصي له بوصية وهو في ذلك الوقف؟ قال: أما ما كان من ربح في صفقة أو ما أوصي له، به فهو للمشتري، وهو بمنزلة ما نما من ماله، وذلك إذا اشتراه بماله، وإن كان لم يشتره بماله فجميع ما حدث له من مال فهو للبائع ما كان في عهدة الثلاث؛ لأن مصيبته من البائع.
قال محمد بن رشد: أما ما ربح العبد في عهدة الثلاث في ماله فبين أن ذلك تبع للمال يكون للمشتري إن كان استثنى ماله وللبائع إن كان لم يستثنه.
وأما ما أوصي له به أو وهبه فكان القياس ألا يعتبر فيه بالمال، إذ ليس المال بسبب له كما هو للربح، وأن يكون للبائع؛ لأن الضمان منه، وإن استثنى المبتاع ماله. فقوله: إنه يكون للمبتاع إذا استثنى ماله استحسان مراعاة لقول من لا يرى العهدة ويرى الضمان من المبتاع في الرقيق بعقد البيع كالحيوان والعروض، وبالله التوفيق والحمد لله لا رب غيره ولا خير إلا خيره.

.مسألة تم كتاب العيوب الأول بحمد الله وعونه:

.كتاب العيوب الثاني:

.مسألة يشتري العبد على أنه إفرنجي بلغته ثم يتبين أنه فصيح بالعربية:

كتاب العيوب الثاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم تسليما من سماع يحيى من ابن القاسم من كتاب الكبش قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري العبد على أنه إفرنجي بلغته فيقيم أياما ثم يتبين له أنه فصيح بالعربية، هل ذلك عيب يرد به؟ أو وجده مختونا، وإنما اشتراه مجلوبا من أرض العدو فيما يرى؟ فقال: كل أمر إذا علم به المشتري كان عيبا عند أهل البصر في البيع والاشتراء فهو مردود، وإن كان الذي ظهر منه أفضل مما كان عليه حين اشترى، ولا حجة للبائع بأن يقول الفصيح أفضل من الأعجمي والمختون أفضل من الأغلف؛ لأن الناس لعلهم في المجلوب الأغلف أرغب لما يرجى من استقامته وصلاحه في تأديبهم إياه منهم في فصيح قد صار إلى أرض العدو بعد الفصاحة فيستراب بذلك وتخشى غائلته، والمختون كذلك، فإنما ينظر في مثل هذا إلى ما يكون عيبا عند أهل البصر مما ينقص الرقيق عندهم من أثمانها إذا علموا بالذي كتم المشتري مما ظهر له بعد في العبد.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم الجواب من سماع عيسى أن ذلك ليس بعيب، وهذا القول أظهر. وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الجارية فيدعي أنها مجنونة فتوضع عند رجل ليستبرئ ذلك منها:

قال يحيى: وسألت ابن القاسم: عن الرجل يشتري الجارية فيدعي قبل السنة أنها مجنونة فتوضع عند رجل ليستبرئ ذلك منها فلا يظهر خنقها إلا بعد السنة وقد رفع أمرها إلى السلطان قبل انقضاء عهدة السنة، غير أن حقيقة الجن لم يتبين للعدول إلا بعد السنة، أيستوجب الرد برفعه أمرها إلى السلطان قبل السنة أم لا؟ فقال: ليس له أن يردها حتى يثبت له أنها جنت في عهدة السنة، ولا ينظر إلى رفعه أمرها ولكن ينظر إلى وقت خنقها، فإن كان بعد السنة فقد انقطعت العهدة عن البائع، ولا يضره دعوى المشتري ولا ما كان خفي عليها قبل السنة وادعى أنه بها مما لم يظهر حتى مضت العهدة وانقضى أجلها، قلت: أرأيت لو خاف المشتري على العبد أو الأمة أن يكون مجذوما أو ظهر به سبب من برص والذي يتهم به من الجذام والبرص قبل انقضاء السنة، فإذا سئل عنه أهل العدل من أهل البصر، قالوا: لا نشهد أنه جذام أو برص بين، ولكننا لا نشتري مثل هذا ولا نبيعه للخوف عليه ولما تبين من أسباب ذلك به، قال: ليس للمشتري أن يرده بما يخاف أو يتقى ولا بما يترك التجار من بيع مثله واشترائه، ولا يكون له الرد حتى يشهد فلان أنه جذام بين أو برص بين.
قال محمد بن رشد: قوله: غير أن حقيقة الخنق لم تتبين للعدول إلا بعد السنة دل أنه قد تبين لهم من أسبابه ما لم يتحققوا أنه خنق، ثم لم ير له ردة بتحققه بعد السنة، ويلزم مثل هذا في الجذام، وقد حكاه ابن حبيب عن ابن كنانة وابن القاسم في الجذام، أيضا، وحكاه ابن المواز عن ابن القاسم أيضا خلاف ما في رسم الأقضية بعد هذا من هذا السماع، وخلاف ما ذهب إليه ابن المواز وابن حبيب وحكاه عن ابن وهب وأشهب وأصبغ ولا اختلاف في أنه لا يرد في السنة بما يستراب دون أن يتحقق من جنون أو جذام أو برص، ولا بما يتحقق من ذلك بقرب انسلاخ السنة إذا لم تظهر دلائله في السنة، ويرد على ما في المدونة من الجنون وذهاب العقل وإن لم يكن ذلك من مس جنون إذا لم يكن ذلك من جناية، وذهب ابن حبيب إلى أنه لا يجب رده إلا من الجنون، وذهب ابن وهب إلى أنه يرد بذهاب العقل، وإن كان ذهابه بجناية عليه، فهي ثلاثة أقوال، وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع العبد وبه عيب قد علم به البائع وكتمه ثم باعه المشتري من رجل آخر:

ومن كتاب الصبرة:
وسئل: عن الرجل يبيع العبد وبه عيب قد علم به البائع وكتمه، ثم باعه المشتري من رجل آخر فأعتقه أو أحدث فيه ما يفوت به، كيف يترادون قيمة العيب؟ فقال: الذي غر والذي جهل في الغرم سواء، على كل واحد منهما أن يغرم لصاحبه ما بين قيمة العبد معيبا وقيمته صحيحا، قلت: أرأيت لو لم يتبع البائع الآخر بقيمة العيب أكان له أن يتبع البائع، الأول بقيمة ذلك العيب؟ قال: لا؛ لأنه قد باعه، فإن لم يتبع لم يتبع.
قلت: أرأيت إن مات العبد من العيب الذي كان به كيف يترادون الثمن؟ فقال: يعدى المشتري الأول على البائع الأول بالثمن الذي أخذه منه ثم يدفعه إلى المشتري الآخر، فإن كان باعه بأكثر مما كان اشتراه به غرم ذلك للمشتري الآخر، فإن كان باعه بأقل مما اشتراه به حبس فضل ذلك لنفسه، قلت: فإن كان البائع الأول معدما فهل يعدى المشتري الآخر على بائعه بالثمن الذي أخذه منه؟ فقال: لا، ليس له عليه إلا قدر قيمة العيب، ويتبع المشتري الآخر البائع الأول بالثمن الذي أخذ من البائع الثاني حتى يستكمل الثمن الذي أخذ منه بائعه، وليس له على بائعه إذا كان البائع الأول معدما إلا قدر قيمة العيب.
قال محمد بن رشد: قوله: إن العبد إذا فوته المشتري الثاني بعتق أو ما أشبهه، يريد أو مات في يده من غير عيب التدليس إن الذي دلس والذي لم يدلس سواء، على كل واحد منهما أن يغرم لصاحبه ما بين قيمة العبد معيبا وقيمته صحيحا، يريد من الثمن الذي باعه به يوم باعه منه، صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن التدليس وغير التدليس سواء في وجوب الرد في القيام أو القيمة في الفوات، وإنما يفترق التدليس من غير التدليس في خمسة أشياء قد ذكرناها في غير هذا الكتاب؛ أحدها: موت العبد من العيب، وقوله: إنه إن لم يتبعه المشتري الثاني الذي اشترى منه بقيمة العيب لم يكن له هو أن يتبع البائع الأول الذي باع منه بشيء، هو المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها أن من باع ما اشترى قبل أن يعلم بالعيب فلا رجوع له فيه، إذ لم ينقص بسبب العيب شيئا، ولو نقص بسببه شيئا مثل أن يبين به وهو يظن أنه حدث عنده أو يبيعه وكيل له فبين به لكان له أن يرجع على بائعه بقيمة العيب، وإن كان قد باعه بمثل الثمن الذي كان اشتراه به أو أكثر، على قياس ما حملنا عليه قول ابن القاسم في رسم استأذن من سماع عيسى خلاف ما ذهب إليه ابن المواز من أنه يرجع بالأقل مما نقص بسبب العيب أو من بقية رأس ماله وقد مضى هناك الاختلاف لما يرجع به، إذا رجع عليه، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا، وأشهب يرى إذا باع ولم يعلم بالعيب فله أن يرجع على البائع بالأقل من قيمة العيب أو من بقية رأس ماله وقد مضى، وكان القياس أن يرجع عليه بقيمة العيب بالغة ما بلغت؛ لأنه قد بقي له عند البائع فلا يسقط رجوعه عليه بقيمة ربحه في الباقي، وإنما هو في التمثيل بمنزلة من اشترى خمسة أثواب فدفع إليه البائع أربعة وأوهمه أنه دفع إليه خمسة كما اشترى منه، فله أن يرجع عليه بما يجب للثوب الذي بقي عنده من الثمن الذي دفع إليه، وإن باع هو الأربعة الأثواب التي أخذ منه بمثل الثمن الذي اشترى به منه الخمسة أو أكثر.
وأما إذا مات العبد عند المشتري الثاني من العيب الذي دلس به البائع الأول ففي ذلك أربعة أقوال:
أحدها: قوله في هذه الرواية: إن المشتري الأول يعدى على البائع الأول بجميع الثمن الذي أخذ منه، فيدفع منه للمشتري الثاني جميع الثمن الذي أخذ منه، ويكون له الفضل إن كان باعه بأقل مما كان اشتراه به، فإن كان باعه بأكثر مما كان اشتراه به غرم ذلك أي تمام ما أخذ منه، يريد إلا أن يكون ذلك أكثر من قيمة العيب فليس عليه أن يدفع إليه أكثر من قيمة العيب؛ لأنه لم يدلس له، فإن كان الأول معدما فأخذ الثالث من الثاني قيمة العيب على ما ذكر ثم أيسر الأول فلم يتبعه الثالث ببقية الثمن لم يكن للثاني على الأول إلا قدر قيمة العيب؛ لأنه لا مطالبة له بالتدليس إذ لم يطالبه به الثالث.
والثاني: أنه يؤخذ الثمن من المدلس فيدفع منه للثاني قيمة العيب لا أكثر، وهو قول أصبغ والثالث: أن المشتري الثاني يرجع على المشتري الأول بقيمة العيب من الثمن، الذي اشتراه به، ويرجع المشتري الأول على البائع الأول بالأقل مما رجع به عليه المشتري الثاني أو من جميع الثمن الذي باعه به، وهو قول محمد بن المواز.
والرابع: ما ذهب إليه أبو إسحاق التونسي، وقال: إنه القياس، هو أن يرجع الآخر بقيمة عيبه ويرجع المدلس عليه على المدلس بقيمة العيب من ثمنه أيضا أو بالأقل على القول الآخر.
والذي هو القياس عندي في هذه المسألة والنظر أن تكون مصيبة العبد إذا مات من العيب المدلس به من البائع الأول الذي دلس به، وتنتقض البيعتان جميعا، فإن كان الأول المدلس باعه بمائة وباعه الثاني بمائة وعشرين أخذت من الأول المائة التي أخذ، ومن الثاني العشرون التي استفضل، فيدفع ذلك إلى المشتري الثاني، وإن كان الأول المدلس باعه بمائة وباعه الثاني بثمانين أخذت من الأول المائة التي أخذ فدفع منها إلى البائع الثاني العشرون الذي خسر وإلى المشتري الثاني الثمانون التي وزن، والله تعالى هو الموفق.